فصل: مقتل البطائحي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل الأفضل.

قد قدمنا أن الآمر ولاه الأفضل صغيرا ابن خمس فلما استجمع واشتد تنكر للأفضل وثقلت وطأته عليه فانتقل الأفضل إلى مصر وبنى بها دارا ونزلها وخطب منه الأفضل ابنته فزوجها على كره منه وشاور الآمر أصحابه في قتله فقال له ابن عمه عبد المجيد وكان ولي عهده: لا تفعل وحذره سوء الأحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه وحسن ولايتهما للدولة ولابد من إقامة غيره والاعتماد عليه فيتعرض للحذر من مثلها إلى الإمتناع منه ثم أشار عليه من مداخلة ثقته أبي عبد الله ابن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله ويقتل به فيسلم عرضك وكان ابن البطائحي فراشا بالقصر واستخلصه الأفضل ورقاه واستحجبه فاستدعاه الآمر وداخله في ذلك ووعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر وهو سائر في موكبه من القاهرة منقلبا من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة كان يفرق السلاح على العادة في الأعياد وثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط وقتلا وحمل إلى داره وبه رمق فجاءه الآمر متوجعا وسأله عن ماله فقال أما الظاهر فأبو الحسن بن أبي أسامة يعرفه وكان أبوه قاضيا بالقاهرة وأصله من حلب وأما الباطن فإن البطائحي يعرفه ثم قضى الأفضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته واحتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين وخمسين أردبا من الورق ومن الديباج الملون والمتاع البغدادي والإسكندري وظرف الهند وأنواع الطيوب والعنبر والمسك ما لا يحصى حتى لقد كان من ذخائره دكة عاج وأبنوس محلاة بالفضة عليها عرم مثمن من العنبر زنته ألف رطل وعلى العرم مثل طائر من الذهب برجلين مرجانا ومنقار زمرذا وعينان ياقوتتان كان ينصبها في بيته ويضوع عرفها فيعم القصر وصارت إلى صلاح الدين.

.ولاية ابن البطائحي.

قال ابن الأثير كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق ومات لم يخلف شيئا ثم ماتت أمه وتركته معلقا فتعلم البناء أولا ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق ويدخل بها على الأفضل فخف عليه واستخدمه مع الفراشين وتقدم عنده واستحجبه ولما قتل الأفضل ولاه الآمر مكانه وكان يعرف بابن فاتت وابن القائد فدعاه الآمر جلال الإسلام ثم خالع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة ولقبه المأمون فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد ونكر ذلك الآمر وتنكر له واستوحش المأمون وكان له أخ يلقب المؤتمن فاستأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءا هنالك فأذن له وسار معه القواد وفيهم علي بن السلار وتاج الملوك قائمين وسنا الملك الجمل ودري الحروب وأمثالهم وأقام المأمون على استيحاش من الآمر وكثرت السعاية فيه وأنه يدعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملا به وأنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن يدعو له فبعث الآمر إلى اليمن في استكشاف ذلك.

.مقتل البطائحي.

ولما كثرت السعاية فيه عند الآمر وتوغر صدره عليه كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغر الإسكندرية بالوصول إلى دار الخلافة فهم لذلك علي بن سلار فحضروا واستأذن المؤتمن بعدهم في الوصول فأذن له وحضر رمضان من سنة تسع عشرة فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة ودخل المأمون والمؤتمن فقبض عليهما وحبسهما داخل القصر وجلس الآمر من الغد في إيوانه وقرأ عليه وعلى الناس كتابا بتعديد ذنوبهم وترك الآمر رتبة الوزارة خلوا وأقام رجلين من أصحاب الدواوين يستخرجان الأموال من الخراج والزكاة والمكس ثم عزلهما لظلمهما ثم حضر الرسول الذي بعثه إلى اليمن ليكشف خبر المأمون وحضر ابن نجيب وداعيته فقتل وقتل المأمون وأخوه المؤتمن.

.مقتل الآمر وخلافة الحافظ.

كان الآمر مؤثرا للذاته طموحا إلى المعالي وقاعدا عنها وكان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل وقت ثم يقصر عنه وكان يقرض الشعر قليلا ومن قوله:
أصبحت لا أرجو ولا ألقى ** إلا إلهي وله الفضل

جدي نبي وإمامي أبي ** ومذهبي التوحيد والعدل

وكانت الفداوية تحاول قتله فيتحرز منهم واتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت وركب بعض الأيام إلى الروضة ومر على الجسر بين الجزيرة ومصر فسبقوه فوقفوا في طريقه فلما توسط الجسر انفرد عن الموكب لضيقه فوثبوا عليه وطعنوه وقتلوا لحينهم ومات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع وعشرين وخمسمائة لتسع وعشرين سنة ونصف من خلافته وكان قد استخلص مملوكين وهما برغش العادل وبرعوارد هزير الملوك وكان يؤثر العادل منهما فلما مات الآمر تحيلوا في قيام المأمون عبد الحميد بالأمر وكان أقرب القرابة سنا وأبوه أبو القاسم بن المستضيء معه وقالوا إن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكرا فهو الخليفة بعدي وكفالته لعبد الحميد فأقاموه كافلا ولقبوه الحافظ لدين الله وذكروا من الوصية أن يكون هزير الملوك وزيرا والسعيد باس من موالي الأفضل صاحب الباب وقرأوا السجل بذلك في دار الخلافة.